بقلم : د. مصطفقى هديب
صرح صندوق النقد الدولى فى الآونة الأخيرة أن أفريقيا هى ثانى منطقة سريعة النمو على مستوى العالم، ويتنبأ الكثيرون أنها فى سبيلها نحو امتلاك اقتصاد تبلغ قيمته 5 تريليون دولارًا أمريكيًا، حيث أنه من المتوقع أن يزيد مستوى الاستهلاك المعيشى للأسر بنسبة %3.8 سنويًا بما يُقدر بقيمة 2.1 تريليون دولارًا أمريكيًا بحلول العام 2025. ويساهم هذا النمو فى استقطاب العديد من الشركات الأجنبية من الغرب والشرق، من بينهما الشركات الصينية وما هى إلا «أذرع ممتدة» للحكومة الصينية.
و مع ملاحظة توجه الشركات الصينية الكبرى المعلوم صلاتها الوثيقه بالحكومه الصينية وبجيش التحرير الصينى لعمل مشروعات تكنولوجية كبرى مع دول افريقية مختلفة بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية فمثلا فى الجزائر منعت أحد أكبر شركات الاتصالات الصينية من تقديم أى عروض فى المناقصات العامه وخصوصا الحكومية منها بعد أن تورط احد مديريها التنفيذيين بقضية رشوة شهيرة وايضا فى زامبيا خضعت نفس الشركة لتحقيقات عديدة تتعلق بمزاعم تقديمهم للرشاوى للفوز بعقد قيمته ملايين الدولارات لبناء ابراج الهواتف المحمولة فى المناطق الريفية وايضا فى جزر سليمان تعرضت نفس الشركه التى هى من اكبر شركات الاتصالات فى الصين أن لم تكن الاكبر لاتهامات عده لعرضها ملايين من الدولارات على الحزب الحاكم للفوز بعقد مد الالياف الضوئية تحت البحر لنقل الانترنت.
وعلى مدار السنوات الاخيره كانت هذه الشركه العملاقة على علاقة بتلك الحوادث الثلاث وستة حالات أخرى فى دول عديدة وهذا خلافا لحظرهم الشهير فى الولايات المتحدة الامريكية والادعائات الغربية الشديدة لسرقتهم لحقوق الملكية الفكرية والتجسس.
وباعتبار مصر أحد الاقتصادات الهامة فى أفريقيا، طرأت العديد من الاستفسارات فيما يخص التعاون مع شركات الحكومة الصينية، وعلى الرغم من مشاركتنا فى الماضى فى مشاريع البنية التحتية فى أفريقيا، يُحذر العديد من الخبراء من مخاطر منح العقود الهامة لتكنولوجيا الحكومة خاصة فى المجالات التى تشمل البيانات الخاصة للمواطنين مثل (السجلات الحكومية، ومصلحة الضرائب، وبيانات الجمارك).
أظهر بحثًا أجرته جامعة هارفارد أن الحكومة الصينية منذ العام 2006 تنفذ سياسات جديدة تسعى إلى امتلاك تكنولوجيا من الجنسيات الأجنبية المتعددة فى الصناعات القائمة على التكنولوجيا مثل النقل الجوى وتوليد الطاقة والقطارات المعلقة السريعة وتكنولوجيا المعلومات ومحتملًا السيارات الكهربائية أيضًا.
تشمل المجالات التكنولوجية التى تسعى الشركات الصينية الحكومية أو شبه الحكومية لتصديرها حول العالم لدول من ضمنها مصر أنظمة مراقبة وتحكم متقدمة مجربة بالصين وأعربت العديد من الدول عن قلقها بشأن خصوصية البيانات عند استخدام تلك التكنولوجيا فى الأنظمة الحكومية الأساسية مثل مصلحة الجمارك ومصلحة الضرائب وغيرها من الجهات التى تحوى بيانات خاصة بمواطنيها وباقتصاد البلد.
وبينما نحن فى مصر نحاول بناء دولة أقوى خالية من الفساد، من الأحرى الأخذ فى اعتبارنا تاريخ الشركات التى تحاول تقديم عروضًا على مشروعاتنا الهامة، وأكرر أن للشركات الصينية تاريخًا غير مُشرف خاصة فى أفريقيا من حيث تقديم الرشاوى لمتخذى القرار أو التأثير على إجراءات العطاءات.
«الحقيقة المؤسفة لأعمال هذه الشركة فى القارة الأفريقية هى امتلاكهم دليلًا دامغًا يثبت تورطها فى أعمال الفساد وغيرها من الاحتيالات فى التعاملات التجارية»، هذا ما صدر عن جوشوا ميسيرفى، الخبير فى الشئون الأفريقية لدى مؤسسة هيرتادج وكاتب تقرير حديث عن فساد الشركات الصينية.
وبعد أن أصدرت الدول القوية تدابير وقائية لحماية مواطنيها من الحشد المنتشر للبيانات من الحكومة والشركات، وفى هذه الأثناء تُصدر الصين تكنولوجيا المراقبة المزودة بالذكاء الاصطناعى وأنظمة الضرائب للحكومات حول العالم، وتوفر الشركات الصينية أدوات مراقبة عالية التكنولوجيا للعديد من الدول فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية يصل عددها على الأقل إلى 18 دولة من فينزويلا إلى زيمبابوى، وذلك بناءً على تقرير فريدوم هاوس للعام 2018.
وهو ما يلفت نظرنا إلى الى قانون سرية المعلومات الصينى فمنذ أصدرت الصين قانون سرية المعلومات فى العام 2015 زادت مخاوف الحكومات فى جميع انحاء العالم على سرية معلوماتها وخصوصا تلك الحكومات المتعاملة مع شركات صينية فى مشروعات قوميه عملاقة حيث ينص القانون على أن جميع الشركات سواء كانت شركات صينية أو أجنبية لابد لها من مشاركة جميع المعلومات وأيضا إتاحة أبواب خلفيه للحكومة للدخول إلى الأنظمة وقتما شائت لجمع المعلومات التى تريدها بدون طلبها وللتجسس على من تشاء من موظفى أو مستخدمى هذه الشركات أو منتجاتها وخصوصا فى مجال البرمجيات وهو ما أدى بحكومة الولايات المتحده الامريكية والدول الاوروبية لفرض محاذير كثيرة على الشركات الامريكية والاوربية العاملة فى الصين.
ولذلك ينبغى على حكومتنا إدراك تلك المخاطر عند تقدير الحلول التى توفرها الشركات الصينية والأخذ فى الاعتبار «الجوانب الأوسع» عندما تخفض الشركات الصينية قيم المشروعات لمجرد الوصول لبيانات المواطنين الخاصة فى البلاد، وبلا شك فأننا فى مصر نرغب فى أن تظل بياناتنا مؤمنة وأن يكون لدينا ما يؤكد أن حكومتنا لم تختار التكنولوجيا الصينية بناءً على أسس فاسدة أو تأثير «القوى الناعمة» الصينية.
* رئيس الأكاديمية العربية
للعلوم الادارية والمالية والمصرفية