صمدت احتياطيات النقد الأجنبى لمصر خلال العام الماضى، ولم تتراجع بشكل كبير بالرغم من جائحة كورونا والتى تسببت فى أزمة اقتصادية عالمية أثرت سلبًا على مصادر النقد الأجنبى لمصر، ومنها قطاع السياحة والتصدير.
وخلال العام الماضى بلغ رصيد احتياطى النقد الأجنبى فى نهاية يناير نحو 45.45 مليار دولار، ووصل إلى أعلى مستوى تاريخى فى شهر فبراير من العام ذاته مسجلًا 45.510 مليار دولار، قبل أن يجتاح الوباء العالم، مما أدى إلى انخفاضه إلى 40.1 مليار دولار فى مارس، ويواصل التراجع حتى شهر مايو 2020 ليبلغ 36 مليار دولار.
وعاود احتياطى النقد الأجنبى لمصر الصعود مجددًا بداية من يونيو ليختتم العام عند 40.06 مليار دولار، وذلك بعدما استطاعت الحكومة تأمين مواردها من النقد الأجنبى عبر طرح سندات فى الأسواق الدولية والحصول على تمويلات من صندوق النقد الدولى لمواجهة الأزمة.
وتضمنت الإجراءات الحكومية المصرية لتأمين موارد النقد الأجنبى، إصدار سندات دولية فى مايو 2020 بقيمة 5 مليارات دولار على ثلاث شرائح، كما حصلت مصر على أداة التمويل السريع من صندوق النقد الدولى بمقدار 2.8 مليار دولار لتلبية احتياجات التمويل العاجلة لميزان المدفوعات والتى نتجت عن تفشى فيروس كورونا، كذلك وافق صندوق النقد الدولى على منح مصر قرض استثنائى بقيمة 5.2 مليار دولار.
وقال البنك المركزى المصرى فى تقرير الاستقرار المالى الصادر فى شهر يناير الماضى، إن تكوين احتياطى كبير من العملة الأجنبية والذى بلغ 45.5 مليار دولار فى فبراير 2020- مقارنة بالتزامات الاقتصاد قصيرة الأجل من العملة الأجنبية- مكن مصر من التصدى لتداعيات الجائحة من خلال استخدام 4.5 مليار دولار فى مارس 2020، والاستمرار فى تحمل تبعاتها فى الفترة اللاحقة.
ويرى محللون تحدثت إليهم التحرير اليوم أن احتياطى النقد الأجنبى لمصر قد يواصل الارتفاع الطفيف أو الاستقرار عند نفس المستويات خلال العام الجارى، فى ظل اتجاه الحكومة لتأمين مواردها من النقد الأجنبى والفجوة التمويلية عبر الاتجاه إلى الأسواق الدولية والتى تشهد إقبالًا من المستثمرين على السندات المصرية.
وبحسب تقرير المراجعة الأخير الصادر من صندوق النقد الدولى حول قرض مصر، تبلغ حجم الفجوة التمويلية لمصر خلال العام المالى الجارى 2020/ 2021 نحو 12.2 مليار دولار.
وبحسب أحدث بيانات صادرة من البنك المركزى، سجل احتياطى النقد الأجنبى لمصر فى نهاية يناير الماضى نحو 40.101 مليار دولار، بارتفاع 38 مليونا فقط عن مستوياته فى ديسمبر 2020.
وذكر المحللون أنه بالرغم من استمرار الضغوط على ميزان المدفوعات المصرى خلال العام الجارى، فإنه سيواصل الاستقرار عند نفس المستويات الحالية فى تحقيق الفائض، مدعومًا بتحويلات المصريين العاملين بالخارج، واستثمارات الأجانب فى أدوات الدين، وزيادة الصادرات من الغاز الطبيعى بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، مما يعوض التراجع فى الصادرات غير البترولية، والاستثمار الأجنبى المباشر، وانخفاض عوائد القطاع السياحي.
محمد أبوباشا: ميزان المدفوعات يشهد أداءً ايجابياً وسيكون هناك فائض بين 3 و4 مليارات دولار
ويتوقع محمد أبوباشا كبير محللى الاقتصاد الكُلى فى المجموعة المالية «هيرميس»، أن احتياطى النقد الأجنبى لمصر سيتراوح ما بين 43 إلى 44 مليار دولار فى نهاية العام الجاري.
وقال إن ميزان المدفوعات سيشهد تحسنا ينعكس على الاحتياطى، وسيكون هناك فائض يتراوح بين 3 و4 مليارات دولار.
وأضاف أن الحكومة نجحت مؤخرا فى الإصدار الخاص بسندات فى الأسواق الدولية، بجانب أن هناك دفعة أخيرة من قرض صندوق النقد، وهناك رغبة فى اتجاه «المالية» لإصدار آخر فى الأسواق الدولية مع بداية السنة المالية المقبلة؛ مما يعزز احتياطى النقد الأجنبى لمصر خلال 2021.
ونجحت وزارة المالية فى فبراير الجارى، فى تنفيذ إصدار سندات دولية بقيمة 3.75 مليار دولار على ثلاث شرائح (5، 10، 40 سنة)، وبقيم مصدرة تبلغ 750 مليون دولار، و1.5 مليار دولار، و1.5 مليار دولار على التوالي.
ويتوقع صندوق النقد الدولى، فى تقرير المراجعة الصادر فى يناير الماضى، أن يرتفع احتياطى النقد الأجنبى طفيفًا خلال العام المالى الجارى ليسجل 40.6 مليار دولار نهاية يونيو المقبل، ويواصل الارتفاع ليسجل 42 مليار دولار فى يونيو 2022، على أن يصل إلى نحو 52.1 مليار دولار فى نهاية يونيو 2025.
محمد عبدالعال: أتوقع المزيد من التحسن خلال العام الجارى
وقال محمد عبدالعال الخبير المصرفى، وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس، إنه فى ظل حالة الغموض العالمية بسبب جائحة كورونا لا يمكن الجزم أو توقع أداء ميزان المدفوعات المصرى خلال العام الجارى، «ولكن أعتقد أنه سيستقر عند نفس المستويات الحالية».
وذكر أن احتياطى النقد الأجنبى لمصر سيشهد المزيد من التحسن خلال العام الجارى، ولن ينخفض عن المستويات الحالية.
وتابع: «احتياطى النقد الأجنبى سيرتفع بمستويات جيدة على مدار العام ليتجاوز المستوى التاريخى ويصل إلى 50 مليار دولار نهاية ديسمبر 2021».
وأرجع توقعاته إلى أن صافى استخدامات احتياطى النقد الأجنبى لمصر يتم بطريقة إيجابية من قبل البنك المركزى، وأن هناك تدفقات جيدة من جميع مصادر النقد الأجنبى لمصر، منها تحويلات المصريين بالخارج، بالإضافة إلى اتجاه مصر لطرح سندات فى الأسواق الدولية بسهولة ويسر مع نظرة للمستثمرين المتفائلة نحو الاقتصاد المصرى.
ويرى أن مكونات الاحتياطى الحالية من العملات الأجنبية ستكون داعما له على عكس الذهب الذى من المتوقع أن تنخفض أسعاره، إلا أن انخفاض الأسعار سيعوض من خلال أرصدة الذهب التى يعززها البنك المركزى بشكل مستمر مما ستعوض التراجع فى الأسعار.
وأظهرت بيانات ميزان المدفوعات الصادرة عن البنك المركزى، تجاوز صدمة كورونا، ليسجل عجزاً كلياً طفيفاً بنحو 69.2 مليون دولار، خلال الربع الأول من العام المالى الجارى (يوليو/سبتمبر 2020)، مقابل عجز بنحو 3.5 مليار دولار فى الربع المالى الذى شهد اندلاع الجائحة (أبريل/يونيو 2020) مقارنة بفائض 227 مليون دولار عن الربع المناظر (يوليو/سبتمبر 2019).
وسجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج نحو 8 مليارات دولار خلال الربع الأول من العام المالى الجارى، مقارنة مع نحو 6.7 مليار دولار خلال الربع المناظر من العام المالى الماضي.
طارق متولى: أستبعد حدوث طفرات والنجاح فى ظل الأزمة الراهنة يكمن فى الحفاظ على الوضع الحالى
وقال طارق متولى الخبير المصرفى والنائب السابق لرئيس مجلس إدارة بنك بلوم، إن احتياطى النقد الأجنبى لمصر يدار بشكل جيد جدًا، وظهر ذلك خلال العام الماضى مع تفشى جائحة كورونا.
ويرى أن احتياطى النقد الأجنبى لمصر سيرتفع بمستويات طفيفة خلال العام الجارى، نتيجة التأثيرات غير المواتية على القطاعات الجاذبة للنقد الأجنبى خاصة قطاع السياحة، مشيرًا إلى أن الحكومة والبنك المركزى قادران على سد الفجوة التمويلية من خلال طرح السندات الدولية، والاستثمارات فى أدوات الدين الحكومية فى ظل احتفاظ الجنيه المصرى بجاذبيته فى الأسواق الناشئة.
وتابع: «لا يمكن توقع حدوث طفرات فى احتياطى النقد الأجنبى خلال 2021.. نجاح البنك المركزى والسياسة النقدية فى ظل الأزمة الراهنة يكون فى الحفاظ على مستوياته الحالية أو الارتفاع بمستويات طفيفة، إلى أن تنتهى الأزمة المرتبطة بالوباء».
وذكر أن استمرار أزمة فيروس كورونا لها تأثيرات على قطاعى السياحة والتصدير بشكل كبير، مما سيؤثر على مصادر النقد الأجنبى الرئيسية لمصر، مشيرًا إلى أنه وبالرغم من ذلك لا يوجد أى نقص من العملة الأجنبية فى السوق المصرية.
وطبقا لبيانات ميزان المدفوعات المصرى، تراجعت إيرادات قطاع السياحة خلال الربع الأول من العام المالى الجارى 2020/ 2021، إلى 801 مليون دولار مقابل 4.2 مليار فى الربع الأول من العام المالى الماضى، كما تراجعت حصيلة الصادرات إلى 6.28 مليار دولار مقابل 7.12 مليار.
وعلى النقيض، ترى منى بدير، محلل الاقتصاد الكلى لدى بنك الاستثمار برايم، أن احتياطى النقد الأجنبى لمصر سيتراجع خلال العام الجارى ليصل إلى 38 مليار دولار، بفضل الضغوط المرتبطة بمصادر النقد الأجنبى الخارجية.
إلا أنها قالت إن الضغوط على احتياطى النقد الأجنبى لمصر من الممكن أن تتراجع بفعل الملاذات التى يستخدمها البنك المركزى لتقليل الضغط وسد الفجوة التمويلية، والتى منها أصول البنوك بالعملات الأجنبية والتى حققت ارتفاعًا خلال الفترة الماضية لتصل إلى 21 مليار دولار.
وذكرت أن مصر تحتاج إلى فجوة تمويلية تتراوح بين 8 إلى 9 مليارات دولار خلال العام المالى الجارى، وأنه سيتم تغطيتها من إصدارات فى الأسواق الدولية، بجانب احتياطى النقد الأجنبى لمصر.
وأضافت أن حساب الميزان الجارى سيتعرض إلى ضغوط خلال العام الجارى، متوقعة أن يتسع العجز إلى %4.5 كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي؛ وذلك نتيجة التأثيرات السلبية على قطاع السياحة والتى من المحتمل أن لا يتعافى سريعا بسبب الإجراءات الصحية المرتبطة بالقطاع الصحي.
وأوضحت أن تحويلات المصريين فى الخارج تعد أهم مصدر للنقد الأجنبى لمصر، إلا أن هناك بعض الضغوط عليها فى منطقة الخليج بسبب الوباء وتوطين العمالة المحلية.
منى بدير: الضغوط من الممكن أن تتراجع بفعل الملاذات التى يستخدمها «المركزي» لسد الفجوة التمويلية
وعن الميزان التجارى، قالت منى بدير محلل الاقتصاد الكلي لدى بنك الاستثمار برايم إن الميزان النفطى سيبقى فى وضع أفضل وداعم للميزان التجارى ككل؛ بفضل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى، وبدء تشغيل محطات الإسالة المصرية.
وأشارت إلى أن الصادرات غير البترولية المصرية ستواجه بعض التأثيرات غير المواتية نتيجة تراجع الطلب العالمى مع تراجع حركة التجارة العالمية والتباطؤ الاقتصادي.
وأفادت بأن الواردات المحلية ستشهد تراجعًا خلال العام الجارى، إلا أنها لن تعوض التراجع فى الصادرات، خاصة أن هناك العديد من القطاعات الصناعية التى تعتمد على الواردات الأساسية الداخلة فى التصنيع.
وترى أن عجز الميزان التجارى سيتسارع خلال العام الجارى، وسيكون تحت ضغوط، بسبب الأوضاع العالمية، وكذلك الاستثمار الأجنبى خاصة أن الشركات العالمية تواجه مشكلات فى السيولة، متوقعة استمرار انخفاض الاستثمار الأجنبى المباشر.
وترى أن الجنيه المصرى حافظ على جاذبيته بالنسبة للمستثمرين الأجانب فى أدوات الدين الحكومية، وأن تلك المستويات ستظل كما هى خلال العام الحالى.
معهد التمويل الدولى: تدفقات التحويلات من العاملين بالخارج ستظل مستقرة
وفى تقرير حديث له، يتوقع معهد التمويل الدولى، أن يسجل احتياطى النقد الأجنبى لمصر نهاية العام الجارى، نحو 36.7 مليار دولار، على أن يرتفع ليصل إلى 41.4 مليار دولار فى نهاية عام 2024.
وقال المعهد إن صورة التمويل الخارجى تستدعى توخى الحذر مع اتساع عجز الحساب الجارى، فى ظل استهلاك الديون مرتفعًا فى السنوات القادمة، مشيرًا إلى أن التوسع الأخير للديون قصيرة الأجل والتمويل من صندوق النقد الدولى إلى تسهيل احتياجات التمويل الخارجى لمصر ودعم احتياطياتها الرسمية، التى زادت من 36 مليار دولار فى مايو 2020 إلى 40 مليار دولار فى يناير 2021 ما يعادل 6.2 شهرًا من واردات السلع.
وأضاف أن قطاع السياحة المصرى كان يمثل %10 من الناتج المحلى الإجمالى قبل الوباء ومصدرًا رئيسيًا لعائدات النقد الأجنبى، وأنه يعد أحد القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررًا بسبب الجائحة.
وتابع: «سيؤدى الانخفاض الحاد المتوقع فى عائدات السياحة إلى توسيع عجز الحساب الجارى إلى %4 من إجمالى الناتج المحلى فى السنة المالية الحالية 2020/ 2021».
وأضاف: «تشير التقديرات إلى انخفاض عائدات السياحة من 7.4 مليار دولار فى النصف الأول من السنة المالية 2019/ 2020 إلى 1.1 مليار دولار فى النصف الأول من السنة المالية 2020/ 2021، مع استمرار اضطراب السفر العالمى، وأنه من غير المرجح أن تنتعش السياحة تمامًا قبل عام 2023.
وتوقع أن تظل تدفقات التحويلات من المصريين فى الخارج مستقرة على نطاق واسع.