توفي الكاتب الكبير وحيد حامد عن عمر يناهز 76 عاما، صباح اليوم السبت، في العناية المركزة بأحد المستشفيات، إثر تدهور حالته.
طرح حامد في أعماله، سواء على شاشة السينما أو التلفزيون قضايا مختلفة وموضوعات متنوعة، اجتماعية وسياسية ورومانسية، وحصلت الأعمال التي تحمل أفكارا سياسية وتتعلق بقضايا الإسلام السياسي على صيت واسع، ولم تكن شخصية المرأة في كتاباته على الهامش أو ذات دور تكميلي يمكن الاستغناء عنها أو تقليص مشاهدها، وعلى الجانب الآخر لم يقدم نموذجا واحدا لها، بل تعددت الوجوه وفق توظيف درامي منضبط في سياقه.
لم تكن لتوضع فتيات الليل في كتابات حامد اعتباطا أو للجذب فقط أو تقديم مشاهد ساخنة، كما يصفها البعض، لكن السياق الدرامي للعمل يحكم بوجود الشخصية بسمات معينة، وفق المساحة التي تسير فيها العملية التمثيلية، ونتأكد من هذا التوظيف أن شخصية فتاة الليل اختلفت من عمل لآخر فلم تكن أكلشيه أو نمط معين توضع لتقوم بعمل جمالي أو إغراء.
• سلوى شاهين في “كشف المستور”
سلوى شاهين، نبيلة عبيد، لم تكن فتاة ليل بالمعنى التقليدي، بل تحمل خلفها ملفا من نوع خاص، لأن عملها كان لخدمة جهاز أمني قوي في فترة مراكز القوى، فكان يتم استغلال جمالها في الإيقاع بالشخصيات الهامة وذات المناصب الكبرى، وبعد أن تعتزل سلوى هذا العمل وتتزوج يعاودون الاتصال بها لتقديم خدمة من نفس النوع، ويتم تهديدها بتسجيلات مصورة قديمة؛ حتى تستجيب لطلب، وعندما تحاول أن تعترض وأن تكشف الحقيقة تتعرض للقتل.
• هند في “الإرهاب والكباب”
تظهر الفنانة يسرا وسط مجموعة من المحتجزات على ذمة قضية مخلة بالشرف، لكنها ترفض استقواء المحقق معها وإجباره لها على الإمضاء ضمن أقوال تفيد بممارستها الدعارة في شقة، وتتمسك بأقوالها إنها لم تفعل ذلك، ويتضح في سياق الفيلم بعد ذلك أنها لا تمتهن الدعارة بصورتها المعروفة، ولكنها تكتفي بالجلوس مع الزبائن في مطاعم الفنادق وما شابه ذلك، وهذه التفصيلة التي تحدث في البداية من علاقتها المتوترة مع زميلاتها والمحقق، هي المبرر الدرامي للشخصية في أن تنضم للبطل ومن معه من المسلحين في الفيلم.
• أحلام في “سوق المتعة”
يمكن اعتبار اسم البطلة في الفيلم، أحلام، وجسدت الشخصية إلهام شاهين، دلالة على جانب من شخصيتها، فهي فتاة ليل، لكنها ذات شروط خاصة كما تعرف نفسها، تعمل موظفة في مكتب نهاراً، ولكن عملها الأساسي يختلف تماماً عن هيئتها الصباحية، تتمنى أن تتزوج وتقول: “سوق الجواز بقى يصعب على الكافر”، فقد وصلت 30 عاما ولم يتقدم أحد لها، ففكرت بطريقة مادية لكي تجد شخصاً مناسباً، فتجهز نفسها وتجمع مبلغا لشراء شقة؛ لكي توفر على الزوج نصف المسافة كما تقول، منطق مختلف يقدمه الكاتب وحيد حامد للشخصية، التي كانت هذه المقدمة عن حياتها مبرراً درامياً للسياق الذي ستتجه إليه أحلام فيما بعد وارتباط البطل بها والوقوع في حبها.
لم تكن فتيات الليل هن بطلات وحيد حامد الوحيدات، بالعكس كانت الشخصيات الأخرى البسيطة هن الأكثر استحواذاً في أغلب كتاباته، منذ أولى أعماله في الدراما التلفزيونية، قدم نماذجا للفتاة المكافحة، على سبيل المثال وليس الحصر، شخصية عفاف في مسلسل “أحلام الفتى الطائر”، وهي فتاة ريفية جامعية تقف مع أمها وأخيها الصغير ضد شخص ذو نفوذ يستقوي عليهم ويجبرهم على التخلي عن أرضهم، وأماني في مسلسل “سفر الأحلام”، التي تأتي من بلدها في دلتا مصر بحثاً عن فرصة عمل وتحقيق ذاتها في مدينة القاهرة وتواجه كثير من الصعوبات.
أما لشاشة السينما، كثرت النماذج النسائية المتنوعة، حيث قدم لنا حامد شخصية الممرضة في فيلم “غريب في بيتي”، بطولة سعاد حسني، والطبيبة التي تعاني من الاكتئاب في “الإنسان يعيش مرة واحدة” للفنانة يسرا، وبائعة الخضرة الفقيرة في “الهلفوت” للفنانة إلهام شاهين، صاحبة كشك لبيع المجلات في “اضحك الصورة تطلع حلوة للفنانة ليلى علوي.
كما كانت شخصية حنان، في فيلم دم الغزال، التي قدمتها منى زكي، نوعا مختلفا من النساء التي قدمهن حامد، فغالباً ما تكون الشخصية رافضة أو قوية أو مشاغبة، لكن هذه كانت خاضعة وضعيفة ومستسلمة لكل الآراء التي يحركها من خلالها من حولها، وهذه الصفات مناسبة جدا لفتاة يتيمة متوسطة التعليم تعيش في رعاية أصدقاء والدها، فذلك الخوف خلق منها شخصية مهزوزة تستكين لمن يقررون أمرها في كل مرة، وتعيش حائرة بين الطبال الذي يتحول إلى متطرف والحرامي.
وتتشابه معاناة حنان مع بثينة، فهي تعاني من تحول حبيبها إلى شخص متطرف، ويشتركان في الفقر، وقهر الظروف لهما، فتجد نفسها تعمل في محال وتقع تحت ضغوط استغلال أصحابها الذين ينظرون لجسدها، ثم يتم توظيفها للإيقاع برجل للحكم عليه في قضية مخلة بالشرف من قبل أخته، لكنها تحبه بسبب شخصيته التي تشعرها بآدميتها.