قبل شهر واحد، منح القدر الكاتب الكبير الراحل وحيد حامد مشهد وداع حضره بنفسه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وسط جمهوره وأصدقاءه ومحبيه، ليسمع في حياته كلمات الثناء والحب الصادقة، والشعور بالامتنان لكل كلمة كتبها في أعماله الباقية.
“حبيت أيامي”، كانت الجملة الأكثر تأثيرا في كلمة الكاتب الكبير وحيد حامد، خلال تكريمه بجائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر، في حفل افتتاح الدورة 42 لمهرجان القاهرة السينمائي 2 ديسمبر الماضي.
ورغم حالة الحفاوة الكبيرة من الحضور الذين استقبلوه بكل الحب والامتنان وقوفا بتصفيق حار امتد لدقائق، إلا أن الكثيرين منهم شعروا أنها كانت أشبه بكلمة وداع وليست مجرد تعبير عن فرحة بالتكريم، الذي استحقه عن مسيرة امتدت لأكثر من 5 عقود، قدم خلالها للجمهور المصرى والعربى أكثر من 40 فيلما وحوالى 30 مسلسلا تلفزيونيا وإذاعيا، استطاع معظمها أن يجمع بين النجاح الجماهيرى والنقدى، فحصدت الجوائز فى أبرز المهرجانات محليا ودوليا، واختير منها فيلمان فى قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية بالقرن العشرين، هما: «اللعب مع الكبار» إخراج شريف عرفة، و«البرىء» إخراج عاطف الطيب، وذلك فى استفتاء شارك فيه العديد من النقاد المصريين، تحت إشراف الكاتب الراحل سعد الدين وهبة، الرئيس الأسبق لـ«القاهرة السينمائى»، خلال الدورة 20 من مهرجان القاهرة السينمائي.
لم تكن كلمات الوداع حاضرة في لحظة تسلم وحيد حامد للتكريم فقط، وإنما أيضا كانت واضحة في بيان الإعلان عن تكريمه الذي أصدره المهرجان 25 أغسطس الماضي، والتي لخص حامد فيها تجربته قائلا: «منحت الكتابة كل الإخلاص، فلم أكتب حرفا إلا وكنت مقتنعا به تماما، وأيقنت منذ اللحظة الأولى أن شفرة التعامل مع الناس هى أن تكون صادقا معهم، فلم أخدعهم قط».
وحيد حامد الذي اعتاد أن يكتب أعماله وسط الناس على نيل القاهرة وليس في مكتب مغلق، حرص أيضا على أن يعيد الفضل في النجاح والتأثير الذي حققته إلى الجمهور نفسه، فقال: «كنت ولا أزال ابنا مخلصا للشارع المصرى، أعرفه جيدا ولست بغريب عنه، فعلى مدار رحلتى مع الكتابة، كنت أحصل على أفكارى من الناس، ثم أعيد تصديرها إليهم فى أعمالى، لذلك سعادتى تكون كبيرة عندما يقابلنى أشخاص تجاوزوا الخمسين من عمرهم، ويقولون؛ إنهم تربوا على أعمالى، حينها فقط أشعر أننى لم أقصر، وقدمت شيئا طيبا للناس».
ولأنه كان يشعر ربما أن تكريمه في المهرجان سيكون اللقاء الأخير مع الجمهور، فكان شكره لإدارة المهرجان عنه، أيضا بكلمات وداع، فقال: «دائما ما كان يكفينى جدا حب وتقدير الأصدقاء والزملاء وكل من وجد فى أعمالى شيئا أحبه.. شكرا لأنكم قدّرتم مشوارى الطويل والمرهق فى حب الوطن وحب الكتابة».
قبل يوم واحد من ندوة تكريم الكاتب الكبير وحيد حامد التي أقيمت بعد 4 أيام من حفل الافتتاح يوم 6 ديسمبر، انتشرت أخبار عن عدم استقرار حالته الصحية، وروجت شائعات بأنه ربما لا يستطيع الحضور، ولكن الناقد السينمائي طارق الشناوي الذي تولى إدارة الندوة، أكد أن “حامد” حريص على لقاء الجمهور ومحبيه في المهرجان، لتقام الندوة بالفعل في موعدها وتشهد حفل توقيع الكتاب الذي أصدره المهرجان بمناسبة التكريم، وحمل عنوان “وحيد حامد.. الفلاح الفصيح”، بحضور عدد كبير من نجوم الفن الذين تعاون معهم وحيد حامد وتلاميذه ومحبيه.
لم تكن ندوة وحيد حامد في مهرجان القاهرة تقليدية، بدءا من الإقبال الاستثنائي وغير المسبوق، والتي لم تشهده ندوة لمكرم من قبل، فقبل يوم من انعقادها نفدت التذاكر المخصصة للحضور، رغم أن القاعة تتسع لـ700 شخص. كان قد سبقها حالة من الحشد الكبير من أصدقاءه ومحبيه على مواقع التواصل، فالجميع اتفق بدون ترتيب على أن يكون تكريم وحيد حامد في مهرجان القاهرة مهيبا واستثنائيا.
رسم هذا اللقاء البسمة على وجه وحيد حامد، ومنحه شحنة جديدة من الأمل للاستمرار في الكتابة بعد حالة الحب الكبيرة التي شهدها خلال الندوة فقال للحضور: “أنتوا ادتوني عمر جديد.. الاستمرارية مكنتش متوقعها.. لكن أنا سعيد بالحب اللي أنا شايفه، وبالدعم اللي أنا شايفه. أنا كنت شديد الإخلاص للكلمة اللي بكتبها.. مفيش كلمة كتبتها إلا وأنا حاطط في ذهني الناس اللي أنا عايش وسطهم، ودا اترد لي في الآخر بالحب اللي أنا شايفه”.
استغل الكاتب الكبير وحيد حامد، طاقة الحب التي عاشها في مهرجان القاهرة، وعاد إلى معسكره ليستكمل ما تبقى في الجزء الثالث من مسلسل “الجماعة”، لكن القدر لم يمهله، ليغادر الحياة بعد شهر واحد من تكريمه، ويكتب مشهد النهاية الذي يودعه فيه جمهوره ومحبيه أيضا ولكن هذه المرة بالدموع وكلمات الرثاء.