رحل اليوم، عن عالمنا الموسيقار إلياس الرحباني، أخر أوراق غصن الجيل الأول من عائلة الإبداع الفني والموسيقي بلبنان والعالم العربي، عن عمر ناهز الـ83 عاما، متأثر بإصابته بفيروس كورونا.
ولد إلياس الرحباني عام 1938، في قرية أنطلياس، من قضاء المتن في محافظة جبل لبنان، شمال بيروت، وهو موسيقي وملحن وموزع وكاتب أغاني، وقائد أوركسترا، أحب الموسيقى بعد أن تعرف عليها من خلال أخويه عاصي ومنصور الرحباني (الأخوين رحباني) اللذان يكبرانه في السن، ودرس الموسيقى في الأكاديمية اللبنانية (1945 – 1958)، والمعهد الوطني للموسيقى (1955 – 1956)، إضافة إلى تلقيه دروساً خاصة لـ10 أعوام، تحت إشراف أساتذة فرنسيين في الموسيقى.
رغب الرحباني وهو ابن 19 عاما في 1957، بالتوجه إلى روسيا ليكمل دراسته، لكن إصابة في يده اليمنى منعته من ذلك، وكان تلاشي الحلم صدمة عظيمة له، وقد تخلى أستاذه عن تعليمه، لكنه صمم على المتابعة بيده اليسرى، ووجه اهتمامه إلى مجال التأليف الموسيقي.
واستدعته إذاعة «بي بي سي» البريطانية بفرعها في لبنان، وهو في عمر الـ20 عاما، وتعاقدت معه على تلحين 40 أغنية و13 برنامجا، فكان ذلك أول عمل رسمي له بأجر بلغ 3900 ليرة لبنانية.
وكان عام 1962 محطة رئيسة في حياته، فقد تعاون مع المغنين المعروفين، بأغنية “ما أحلاها” للمغني نصري شمس الدين، وبدأ العمل كمخرج ومستشار موسيقي في إذاعة لبنان، وتعرف على حبيبته “نينا خليل” وتزوجها وأنجبا ابنين هما غسان وجاد، وبقي في إذاعة لبنان حتى 1972، واشتغل أيضا منتج موسيقي لدى شركات منتجة للأسطوانات، وسافر مع عائلته إلى باريس عام 1976.
وقدم الرحباني للعالم مئات من الأعمال الموسيقية، أسهمت في ثراء ورقي الفنون العربية خلال القرن العشرين، حيث لحن أكثر من 2500 أغنية ومعزوفة، ونحو 2000 منها عربية، وألف موسيقى تصويرية لـ25 فيلما، منها أفلام مصرية، وأيضا لمسلسلات، ومعزوفات كلاسيكية على البيانو، من أشهرها موسيقى فيلم «دمي ودموعي وابتسامتي»، وفيلم «حبيبتي»، وفيلم «أجمل ايام حياتي»، ومسلسل «عازف الليل».
ومن أعماله، ألحان وكلمات عدد من أشهر أغاني الفنانة فيروز، ومنها (يالور حبك، الأوضة المنسية، معك، يا طير الوروار، بيني وبينك، جينا الدار، قتلوني عيونا السود، يا اخوان، منقول خلصنا، ياي ياي يا ناسيني، كان الزمان، كان عنا طاحون).
كما لحن إلياس العديد من أغاني الفنانة صباح، مثل (كيف حالك يا أسمر، شفته بالقناطر، ياهلي يابا)، وغنى من ألحانه الفنانون وديع الصافي، ملحم بركات، نصري شمس الدين، وماجدة الرومي، كما تعاون مع عدد من مغني جيل أحدث، منهم جوليا بطرس وباسكال صقر.
أنتج وألَف عدة مسرحيات، منها: (وادي شمسين، وسفرة الأحلام، وإيلا)، وفي مجال الشعر صدر له كتاب «نافذة العمر» عام 1996، وفي 2001 قدم نشيد الفرانكفونية كتحية لـ52 بلدا شارك في القمة الفرانكفونية التي عقدت في لبنان، وكان من أعضاء شرف الموسمين 10 و11 من برنامج «ستار أكاديمي»، وقد كان سابقاً من أعضاء لجنة تحكيم برنامج «أراب آيدول».
وقاضي الرحباني، شركة «روتانا»، والملحن خالد البكري، بعد صدور أغنية «أتحدى العالم» لصابر الرباعي عام 2004، لأن الأغنية تشبه في جملها اللحنية بعض ألحانه، خاصة لحن معزوفة «نينا ماريا» الذي ألفه في سبعينيات القرن العشرين؛ لكنهم لم يقبلوا التفاوض معه، مما دفعه لرفع دعوى ضد الملحن والشركة في القضاء اللبناني لأجل حقوق الملكية، فأجري تحقيق فني متخصص من قِبل لجنة الاستماع في جمعية المؤلفين والملحنين، وربح إلياس الدعوى بصدور حكم بإلزام الشركة بسحب الألبوم من الأسواق وإضافة اسمه عليه.
وتلقى الرحباني العديد من الجوائز، منها جائزة مسابقة شبابية في الموسيقى الكلاسيكية 1964، وجائزة عن مقطوعة La Guerre Est Finie في مهرجان أثينا عام 1970، وشهادة السينما في المهرجان الدولي للفيلم الإعلاني في البندقية عام 1977، والجائزة الثانية في مهرجان لندن الدولي للإعلان عام 1995، والجائزة الأولى في روستوك بألمانيا عن أغنية Mory، وجوائز في البرازيل واليونان وبلغاريا، وعام 2000 كرمته جامعة بارينغتون في واشنطن بدكتوراه فخرية، وكذلك جامعة أستورياس في إسبانيا، ونصب عميدا لأكاديمية روتانا لتعليم الغناء، حين تأسيسها في 2004، لكنه استقال منها بعد مدة قصيرة، بسبب اتخاد قرارات دون استشارته.